سؤال احتواني ذات مساءٍ عبر نقاشٍ مع أحد الأصدقاء والذي يتسم بعقليةٍ نشطةٍ فكريةٍ ذو أريحيةٍ ثقافية .
إنه أدخلني عنوة في هذا الحيز المخبوء تحت عباءةٍ اشتهاء الشهرة والبهرجة ، لتبرق في عيني حقيقة التسلق على أكتاف الآخرين ، وسرقة بنات أفكارهم وأحلامهم الدافئة .
نعم ، هناك فرق شاسع بين احتضان الفكرة وتبنيها وبين سرقتها ، ولتوضيح ذك نستشهد بما ذكره الكاتب خليل الفزيع في مقاله في صحيفة اليوم بعنوان " سرقة الأفكار .. ، والحذر المطلوب " كاتباً " قبل أسابيعٍ من خلال مربع الدردشة على الفيسبوك طرح الصديق ظافر الشهري كتابة موضوع عن سرقة الأفكار، فأخبرته أن الأفكار ملك للجميع ، وربما تواردت الخواطر في موضوعٍ ما حتى ليبدو أن في الأمر سرقة ، لكنه ضرب مثالين : المثال الأول فكرة برنامجٍ تليفزيوني تطرحها بالتفصيل على مدير القناة فيسرقها وينسبها لنفسه ، والمثال الثاني الإعلامي الذي تأخذ رأيه في فكرة منتدى معيّن وبتفاصيلٍ معينة ، فتفاجأ في اليوم التالي أنه عمل منتدى بفكرتك نفسها .
إن التألق والإنجاز لا يخولنا أن بحث هنا وهناك ، واستراق السمع ، لاقتناص أفكار الآخرين وبلورتها عملياً كمشروعٍ نكتب عليه أحرف أسمائنا دون التواصل الأخلاقي مع صاحب الفكرة ، كأننا السيد الذي أعمل فكره في ولادة هذه الفكرة .
وأضاف الفزيع " نعم .. يشكّل الوازع الأخلاقي والاجتماعي والديني ـ وهو الأهم ـ سداً منيعاً يحول دون ارتكاب مثل هذه الأخطاء بحق الآخرين ، وهي أخطاء تصل إلى حد الجريمة كما هو واضح من المثالين السابقين وما يشبههما من حالاتٍ أخرى ، وقد كثرت هذه الحالات حتى أصبحت من الأمور التي تعوّد عليها الناس ، لذلك فإن معظمهم يأخذ بأسباب الحيطة والحذر قبل أن يعرض أفكاره على الآخرين ، خاصة إذا لاح في الأفق ما يوحي باحتمال تعرّض فكرته للسرقة ، وفي هذه الحالات لا ينجح حسن النية ولا الثقة ولا الكلام الجميل المعسول ، بل لا بد من اتخاذ كافة الاجراءات التي تضمن للإنسان حقه ، حتى لا يضيع هذا الحق هدراً على أيدي من ماتت ضمائرهم" .
إن العمل الاجتماعي ديدنه المشاركة الاجتماعية في احتواء العقول الناضجة ذات الإبداع .
نعم ، قد يكون صاحب الفكرة لا يملك مقومات تنفيذها عملياً في الواقع لخلو يديه من الإمكانيات والاستراتيجيات التقنية والمهنية والعلاقات الاجتماعية ، لهذا ينبغي وجود حضنٍ دافئ يحتوي هكذا أفكار ، وترجمتها فعلياً حيث يكون هذا الحضن ضمن استراتيجيته وإمكانياته السعي الحثيث الأخلاقي في تبني هذه الأفكار .
يقال في الحكمة العربية " الحكيم من جمع عقول الناس في عقله " .
إنها لقيمة أن نبصر في أفق القطيف من يحتوي هذه العقول النيرة وتبنيها واحتضانها لنقدم للمجتمع خلاصة هذه الأفكار إنجازاً يضيف لها رونقاً جمالياً كجمال الربيع ورعشة السعيفات ورقصة الماء .
حقيقة إن التنافس شيء حسن تقتضيه الطبيعة البشرية وبه يتعتق الإبداع فتزهر الأرض لا أن يكون ساحة كل يهمش الآخر ، وينقصه من قيمته الفكرية والمعنوية .
إنه دائماً نسمع هذه الجملة بين الفينة والأخرى من شفاهٍ عشقت العمل الاجتماعي ، وتفانت في خدمة مجتمعها حيث كانت " كلنا يكمل الآخر ، وتميزك هو تميز لي " ، ماذا يعني ذلك ؟
إنها كلمات إذا ما وعتها أذن واعية ، فستكون منهاجاً وطريقاً حيث يضع هذا وذاك وهو يده في يد هذا وذاك وهو ، تتعانق القلوب ، وتمتزج الأرواح ، وتغربل الأفكار لتنضج حينها وحينها فقط نساهم في الرقي والتطور ، وبدونها نقبع في الظلمة وإن اعتلتنا البسمات ، فإنها بسمة ككذبة إبريل .
لا يخفى على أحدٍ بأن القطيف أبنائها وبناتها يعشقون العمل التطوعي ، وتهفو أنفسهم في خدمة مجتمعهم بكل أصنافهم وألوانهم الثقافية وأعمارهم السنية .
إنها دعوة صدقٍ في احتواء الفكرة المبدعة ، والرغبة الصادقة ، والعمل الدؤوب بعيداً عن العقد النفسية التي زاحمت أنفس الرائعين صفاءً وعشقا ، فلنحافظ على متابعة الأفكار ، ونتقن صناعتها ، ونناصح السراق بأنكم تتجهون لبريق شهرة الذات بقصدٍ كان ، أم بعدم انتباهٍ حينها وحينها تذهب البركة وتسقط الثمرة وتنطفئ الفكرة ، وتصبح في سلة المهملات .