آيات قرآنية من كتاب الحج ضيافة الله للسيد المدرسي (ح 6)
جاء في كتاب الحج ضيافة الله للسيد محمد تقي المدرسي: عن المنفعة الكبرى للحج : ترى لماذا جعل الله تعالى البيت الحرام مثابة للناس وامنا، ولماذا اذن ابراهيم الخليل بالحج في الناس؟ وهل هناك منفعة أعظم من أن يلملم المسلمون اطارفهم، ويجمعوا شتاتهم، ويغيروا واقعهم؟ إن هذه المنفعة هي أصل المنافع. فلقد جعل الله سبحانه الحج في وقت واحد، كما يقول جل شأنه: "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِ " (البقرة 197). وفي سورة المائدة وعندما يحدثنا القرآن عن شعائر من الهدي وعن القلائد، فانه يقول: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" (المائدة 2). وبناء على ذلك فإن الهدف من الحج ان نوحد طاقاتنا، وإذا ما وجدنا اليوم هذا التفتت، واذا رأينا المسلم يقتل اخاه المسلم، فإننا سنجد علاج ذلك في الحج الذي هو المكان الذي يجب أن يتوافد إليه المسلمون جميعا، ويوحدوا انفسهم، ويلغوا الحواجز ليشهدوا منافع لهم. ومن اعظم هذه المنافع، منفعة الوحدة والتفاهم والتحابب والتعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان.
وعن الحج والميزان القرآني يقول المرجع الديني السيد المدرسي حفظه الله: فلنزن أنفسنا بميزان كتاب الله الذي أنزل فرقانا، ولنعرض انفسنا عليه. فهو كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه، وهو نور وبصائر. فلنرجع إليه فهو العلاج الوحيد لمشاكلنا واوضاعنا المتردية، لا أن نعود إلى مقاييس اخرى، ولا ان نستند الى اهوائنا وافكارنا. ان هذه الأمة يجب ان تتحول الى تلك الأمة التي بشّر الله تعالى بها عباده قائلًا: "كُنْتُمْ خَيْرَ امَّةٍ اخْرِجَتْ لِلْنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرَهُمُ الْفَاسِقُونَ" (آل عمران 110)، والسبب في تفضيل هذه الامة على غيرها، هو انها تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر. فهو جل وعلا لايجعل مقياس التفضيل الصلاة مثلًا، بل إن الشعور الجماعي هو الذي من شأنه أن يجعل المسلمين خير أمة أخرجت للناس، لا أن يأتي احدنا الى الحج ويده ملطخة بدماء اخوانه المسلمين، وقلبه مشحون بالاحقاد والعداوات والبغضاء. فمن المعلوم أن الله عز وجل لا يمكن أن يتقبل حج مثل هذا الإنسان الذي لم يلتزم بالشرط الأكثر أهمية في الحج، ألا وهو الاتحاد، والتكاتف، والاهتمام بأمور المسلمين، والتعاطف، والتكافل معهم.
وعن ضرورة معرفة منافع الحج يقول السيد محمد تقي المدرسي: وللحج منافع جمة يستفيد منها الحجاج وغيرهم من الذين لم تتح لهم فرصة الحج. ومن المعلوم ان المنفعة لا يمكن الاستفادة منها دون معرفتها، فإذا لم نعرفها فإن الفرصة ستفوتنا، وخصوصاً هذه الفرص الكبرى التي هي ارصدة الله تعالى لنا، والتي لابد ان نبدلها من حالة القوة والامكان والاحتمال الى حالة الفعل والواقعية والتحقق. وقد اشار سبحانه وتعالى الى هذه المنافع في الآية الكريمة: "لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الانْعَامِ" (الحج 28). وهذه المنافع مشتركة بين الحجاج وبين المسلمين الآخرين في كافة الاقطار ممن لم يوفقوا لاداء هذه الفريضة الالهية. قال ربنا عز وجل لنبيه ابراهيم عليه السلام عندما بنى الكعبة، وامره بدعوة الناس الى الحج: "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِ" (الحج 27). فما كان من ابراهيم الخليل عليه السلام إلّا ان صعد الجبل ونادى في الناس، وحثهم على الحج. علماً ان الحياة لم تكن موجودة في أرض مكة الجرداء، ولكن الله حمل كلام نبيه الخليل إلى كل اذن واعية، وها هي ذي السنون والعصور تمر و تتوالى، ووفود الرحمن تتقاطر الى بيت الله بكل لهفة واشتياق، يتجاوزون كل الصعاب، ويركبون الاخطار في سبيل ان يصلوا الى بيت الله الحرام. ثم يقول تعالى: "يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ" (الحج 27). فمن جملة آداب الحج استحباب المشي، وقد فضّل الله تعالى الحج مشياً على الركوب، الامر الذي يدل على ان المشي طريق التذلل والخضوع لله.
وعن رسالة الحج يقول السيد المدرسي حفظه الله: وفي كل سنة تطل علينا فيها أيام الحج المباركة، لابد من تذكر حقيقة هامة، وهي أن الرسالة الإسلامية التي بعثها خالق الأرض والسماء الى البشر إنما جاءت لتقضي على كل ألوان الشقاء والعناء والآلام التي يعاني منها البشر، ولكن علينا ان نسأل انفسنا بجدية: ترى هل تجسد هذا الهدف على واقع المسلمين اليوم؟ بالطبع لا، لأن المآسي تتعمق وتزداد عند الذين يدعون انتمائهم الى الدين. فقائمة الدول الأكثر فقرا وتخلفا تبتدئ بالبلدان الإسلامية. والحركات الاسلامية يمكنها ان تلقي بسيل التهم على الحكام الظلمة والطواغيت في تخلف المسلمين. وهذا صحيح لانهم رمز الفساد، بل اكبر عامل في تكريس تخلف الأمة وتبعيتها. ولكن هل هذا يعني أن يتملص الانسان المسلم ان تكليفه الشرعي؟ كلا بالطبع، لان المسؤولية ليست ملقاة على عاتق الطغاة فحسب، وانما للمجتمع قسط وافر من مسؤولية إيجاد التخلف. والقرآن الكريم عندما يبين لنا فساد الحكم السياسي، وكيفية ظهور الحكومات والانظمة الظالمة، يوجه المسؤولية الى المجتمع ايضاً. نلاحظ ذلك في قوله سبحانه: "وَإِذَا أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً" (الاسراء 16).
وهذا يعني ان الفاسقين هم الذين تسلموا زمام السلطة السياسية، واوصلوا البلاد الى حالة الدمار. والله تبارك وتعالى إنما سمح لهؤلاء المترفين أن يصبحوا امراء هذه القرية، التي تعني المنطقة التي يعيش فيها الإنسان أيا كانت، لانه اراد ان ينتقم من أهل هذه القرية لفسقهم، وخروجهم عن تعاليم الدين. ولذلك قيل: (كما تكونون يولى عليكم). فالحكومات هي أساس الفساد، ولكنها ليست كل الفساد، لأن هذا الفساد يضرب بجذوره في ارض المجتمع أولا ثم ينمو ليتجسد في النظام السياسي. وعلى هذا الاساس فان السبب الرئيس في تخلف الأمة، هو فقدان الروح الحقيقية للاسلام، والتعويض عنها بالقشور السطحية. وبمعنى آخر، فاننا قد أفرغنا التعاليم الإسلامية من اهدافها وحكمها وحقائقها، ظانين أن تلك القشور قد تسقط التكليف الشرعي عنا. في حين ان الله عز وجل يقول: "إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ" (المائدة 27).