بنات الابتدائي في (المكرو باص) بقلم/ حسن آل ناصر

بنات الابتدائي في (المكرو باص)
بقلم/ حسن محمد آل ناصر
حال المراهقة تجذب حتى سن السابعة، العفوية أحيانا تعطي مردود لا يفرق المتلقي به أي عمر، فحكايتي هذه حقيقة من واقع لمسته بمساعدة احد أصدقائي، وهنا لا أصنع من المعطيات التي شدتني لوسيلة إعلان، ولكن هي عجيبة في حد ذاتها.
فالسيارة التي يركبها اثني عشر أو خمسة عشر طالبا أو طالبة في سيرهم إلى المدرسة قد يحصل في هذه الفترة حكايات وقصص غريبة، فصديقي ترك لي معرفة أشياء قد تغيب عن فكري، قد كان مريضا وطلب مني أن أساعده في توصيل الطالبات، ثلاثة أيام قد تعلمت منها أشياء كثيرة.
في كل صباح يتجدد يوم بإشراقه شمس دافئة تعطينا من دفئها مراحل من ضياء، هناك كانت تركب الطالبات والمحافظة عليهن أمر كالعبادة، أمانة في عنق السائق، في الساعة الخامسة والنصف، أبدأ المسير من منزل إلى منزل، هذه تضحك في وجهي وتلك تضحك علي، مفارقات مكثت بينهن، كانت من أحلى أيام حياتي.
القضية ليست في المحور الماضي ولكن قضية البنات اللائي ركبن معي، بعضهن يتقلدن بأمهاتهن وآبائهن، وأخريات يتقلدن بفنانات ويمثلن مثلهن، ويتصور لهن أنهن في رحلة شقاوة لا أدب وعلم، والغرابة أن احدهن غلب ضجري عليها، كيف؟! مسكينة مؤدبة تجلس بلا حراك صامتة تنظر من زجاج السيارة، وفجأة قامت أحداهن بالاستهزاء عليها، عندئذ لم تقبل وعندما نهرتها زادت في التجريح وقذفت عليها أقوال يشمئز السامع من سماعها، وعندما سكتت عنها لم تسلم من شرها، قامت ولطمتها على خدها، صارت المعركة بينهن، وأخرجت الشريرة قلم رصاص وطعنتها في كتفها.
المشكلة هنا قد نقول: هن أطفال (جهال)، ولكن لو أستقر القلم في عينها أو أدى إلى موتها، ماذا ترانا نفعل؟!!، على كل حال عاودت الشريرة المشاكسة مرة أخرى، أنا هنا تدخلت بكلام لين ورقيق، لو سمحتي يا بنت كفاك هراء وثرثرة دعيها وشأنها، فردت علي: أنت لا دخل لك، فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله (الله يصبر صديقنا عليك)، فعند الخروج من المدرسة وهن يصعدن الباص فإذا بالشريرة قد ركبت وعلى الفور لطمت تلك المسكينة، أنا هنا لا أعلم ماذا تريد منها؟!!
وعندما وصلت عند بيت إحداهن وقفت، وإذا بامرأة تسلم علي وتسأل عن ابنتها ( ج . ع )، كانت إحدى ضحايا الشريرة، وعلى الفور قامت بالدور الذي يقوي عزيمة أبنتها، لماذا تضربين ابنتي كل يوم تشكي منك؟!!، فراحت توبخها وتؤنبها وأخذت أبنتها وسريت أنا بالمشاكسة والبنت المسكينة، كان واقع الحدث لم يؤثر بها بل ظلت تمارس شقاوتها على البنت المسكينة، وحينما فاضت روحها وغضبت منها عاملتها مثل ما تعاملها به، وفجأة صرخت الشريرة قائلة: سأقول إلى أبي!!!
في هذه الأثناء خافت البنت المسكينة وكلمت أمها عند رجوعها بالقصة كاملة، فما كان من أمها إلا أن كلمت أباها، فقال الأب: هذه طفلة وتلك طفله، هل تريدين مني أن أخاطب طفله؟!!، نعم إن هذا كثير فقد تكرر مع أبنتنا هذا الموقف، فلماذا لا تكلمها أو تنهرها؟!!، لا أود الحديث معها لأنها طفلة، هل أنت تعني ما تقول؟!!، نعم، إذا أنا سوف أكلمها وأقبح عملها إذا لم نتكلم معها لن تقف عند هذا الحد، بل ستزيد في تخويف وتجريح ابنتنا، أعمل شيء كلم أباها.
ما كان من الأب إلا أن أمتثل إلى كلام زوجته، ولكن ماذا كان رد أبو الشريرة المشاكسة؟!، قال: ماذا تريدني أن أفعل لها إنها شيطانه، قال له: ما الحل إذا؟!!، رد: أنا لا أعلم .
في اليوم الأخير لي وفي الساعة الثانية عشره، وأنا كالعادة كانت المشاكسة لا تتجرأ على أي شيء على البنت التي كلمتها أمها في الأمس، ولكن ضلت تباشر شقاوتها في البنت المسكينة، وفجأة وقفت أمام منزل المسكينة، كانت أمها تنتظرها وأشعة الشمس تحرق جسدها، وعندما رأتني وقفت، فورا توجهت نحو الباص، وأمسكت بالمشاكسة وانهالت عليها بالتجريح والتأنيب، فما كان منها إلا أن صمتت وامتثلت بالمعذرة للبنت المسكينة.
في هذه المرحلة أصابني العجب، فقلت في نفسي: من المخطئ الآن الكبير أم الصغير؟!!، كأننا في غابة، القوي يأكل الضعيف، حقا كانت مدرسة في ذلك الباص الجميل، ولكن فيه أيضا مصائب وأحزان في منتصف الطريق، لا بد أن نراقب أطفالنا منذ الصغر حتى الكبر، منعطفات قد نتلقاها، وللأسف من صغار اليوم، ماذا سيفعلن عندما يكبرن؟!! سؤال اعرف جوابه، فهل أنت يا أيها الأب أو يا أيتها الأم تعرفان؟!!.
أصبح المدفع لا يعرف صغيرا ولا كبيرا، هنا يلتمس العذر في مرحلة المعاناة من لم يكن له رقيب، سلسلة الحدث ها هي تتكرر، تنقش من المهد إلى اللحد، بمقولة بليدة ( هن أطفال)، إلى متى نستهين؟!، فهؤلاء فلذات أكبادنا، وثمرة مستقبلنا، وفي النهاية هم جيل الغد، لست أبالغ في الكلام ولكن خذوا فكرة وشاهدوا معي في أطفالكم، ولكن بشرط ليس من أمامهم ولكن من خلف الكواليس، ستكمن الصورة عندكم، وتتعرفوا على ما يجري قبل إسدال الستار.
فالجريمة تبدأ بالسكوت، والفضيحة تنبش الماضي لتعلق على حائط الحاضر، لا أجامل نفسي حينها، ولكن معطيات التدليل أو الركون في الصغر يلحق المضمون في التربية حتى الكبر، فتشوا، أخرجوا من عالم الظاهر وسوف ترون ما خفي في ظلام الطفل المراهق الذي نسميه (صغير)، سيكون المنظر حينها مؤلم ولكن يتفادى، ولكن عندما يكبر الطفل ويكون شابا أو شابه، هنا تكون القضية التي لا أعتقد أنها تلين أو تنحني، بل ستنكسر والندم لا يفيد.
شبكة الوادي الثقافي - الجمعة 25 / 06 / 2010 - 08:15 صباحاً
زيارات 1394 تعليقات 1
شارك المحتوى عبر مواقع التواصل الإجتماعي