الاستثمار في القطاع العام في القرآن الكريم
الدكتور فاضل حسن شريف
خلق الله الأرض وجعل فيها خليفة "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" (البقرة 30). ثم طلب منه استثمار ما في الأرض وباطنها "هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا" (البقرة 29) . استثمار ثروات الأرض واحدة من مهام الإنسان الذي أعطاه الله التفكير لكي تكون تحت منفعته "وَسَخَّرَلَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(الجاثية 13)، وكلما جهد بها كسب منها"كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" (المدثر 38). الاستثمار نوع من الإنفاق على استخلاف الأرض"آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ" (الحديد 7).
الأمان مطلب مهم للمستثمر وهو مقدم قبل الرزق في القرآن الكريم"وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ"(البقرة 125-126). وقد يطلب المستثمر قروض ميسرة فعلى الدولة مساعدته بشكل تدريجي وليس دفعة واحدة غير ضامنة "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً" (البقرة 143). الاستثمار الحلال هو نوع من إقراض الله تعالى "مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" (البقرة 245).
والاستثمار النافع نوع من الزكاة التي ذكرها الله تعالى في آيات عديدة، فالاستثمار ينعش الاقتصاد ويقلل البطالة. وعلى المؤمن ان يكون استثماره حلالا فلا استثمار في الخمور والقمار "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِقُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ" (البقرة 219). والاستثمار الربوي حرمه القرآن الكريم"وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا" (البقرة 275).
من اهم معوقات الاستثمار الفساد "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ" (البقرة 11-12) ولكن لا يعلم اصحاب الفساد الذين يعرقلون المستثمرين بأخذ الرشوة والمصالح الشخصية هم الخاسرون وبالتالي يخسر المجتمع والدولة وتتراجع تنميتها "وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" (البقرة 27)، و "إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ"(يونس 81).
وعلى المجتمع والدولة عدم التضييق على المستثمر المستمر في عمله او المستثمرين السابقين لانهم مصلحون كما أشار إليهم القرآن الكريم "وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا" (الأعراف 56)، و "الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ"(الشعراء 152). ومن الاصلاح مساعدة المستثمر "فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواالصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ" (النساء 173). وسوف لا يضيع الله عمل المستثمر والمجتمع الذي يقدم له الرعاية "إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ" (الأعراف 170). والعامل بالاستثمار يحصل على الثواب حسب العقد المبرم معه مهما كانت درجته الوظيفية فالله تعالى سخر الناس بعضهم لبعض "أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا" (الزخرف 32)، و "وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ" (البقرة 251).